لعل رسالتي هذه إليك تصل بواسطة الوالد العزيز، أو الأخ الفاضل، أو الوالدة العزيزة، أو تقرئينها مباشرة من هذه المجلة، وهي أن تكوني مقتدية ببنات الرسول صلى الله عليه وسلم وبنات الصحابة رضي الله عنهم وبالبنات المؤمنات من ذلك الزمان إلى يومنا هذا تقتدين بهن في الإيمان والأعمال الصالحة، وعلى وجه الخصوص المحافظة على العرض والعفاف والشرف والحياء، فلا تسمحي لكائن مَن كان بأن يتسلق عليك أسواره، أو يخترق عليك جدرانه، بواسطة إلكترونية أو هاتفية أو يدوية أو مقابلة ومواجهة أو سواها.
إنك إن سمحت لأحد من الغرباء -وكل من ليس بمحرم فهو من الغرباء- بالدخول إلى حياتك فكأنما تفتحين باب البيت لذئب مفترس هارب من حظيرته، أو حديقة الحيوان.
تخيلي يا بنيتي ذلك الذئب عند باب بيتكم -لا قدر الله- فهل ستفتحين الباب له، لكي يدخل بيت الأسرة ويصبح أفراد الأسرة تحت رحمته، يفتك بهذا، وينهش ذاك، ويهاجم هذا ويقتل ذاك.. هل يعجبكِ ذلك المنظر الرهيب الشديد.
إن الشاب الذي يتسلل إليك عبر غرفة المحادثة في الشبكة المعلوماتية أو عبر الجوال أو الهاتف أو الرسالة أو المقابلة أو سواها إنه ذئب بشري لا همّ له إلا أن يفترس الأخلاق والشرف والعرض، ولا يهمه أن تصيري مخلوقاً مدمراً ضائعاً هالكاً، ولا يهمه أن تهدر سمعة الأسرة وقيمتها الإجتماعية وسعادتها وإستقرارها، ولا يهم ذلك الشاب الثعلب الغادر الماكر إلا تحقيق رغبته الجسدية الحرام، مهما تفوه بالكلمات الرقيقة والعبارات العاطفية، ومهما أقسم بأغلظ الأيمان أنه يريد التعارف والزواج.. فأولئك لصوص لا يظهرون في النور وإنما هم خفافيش لا يعيشون إلا في الظلام، وكثيراً ما صرَّح المثيرون من التائبين منهم أنهم لا يمكن بحال من الأحوال أن يقترن الواحد بفتاة غبية جاهلة ذات تربية سيئة، تلك التي تسمح للغرباء أن يدخلوا حياتها ولو بالهاتف فقط.
واعلمي أنك -يا بُنيتي- إذا منحت فرصة لذلك الذئب البشري أن يحادثك ويكلمك إلكترونياً أو هاتفياً أو شخصياً فإعلمي أن تلك الفرصة ستشجعه تشجيعاً عظيماً على المضي قدماً في سبيل الحصول على ما هو أكثر وسيجن جنونه، ويستخدم معك كل ما يستطيع من وسائل الخداع والإغراء حتى يظفر منك بمقابلة ولقاء، فإذا تم ذلك فإنه خلال ثوان وليس دقائق ستجدين نفسك كالخروف بين يدي الجزار الشديد، فماذا يملك الخروف لنفسه بين يدي الجزار؟ وماذا يستطيع أن يفعل؟ وهل له أي حيلة في الدفاع عن نفسه؟ ولا أظنك -يا بنيتي- إلا قد شاهدت مرة وأكثر موقف الخروف عندما يمسك به الجزار للذبح والسلخ.. إلا أن الفرق أن ذلك الجزار قد يكون متقرباً إلى الله بالأضحية أو إكرام الأهل أو الضيف أو كسب الرزق.. بينما ذلك الشاب المنحرف -قاتله الله- يتقرب إلى الشيطان الرجيم بإغواء بنات المسلمين ونسائهم وذبح شرفهم وأعراضهم..
هذا الشاب منحرف لأنه إستخدم عقله وعلمه وذكاءه وصحته إستخداماً سيئاً.. لم يشكر الله على نعمة العقل والعلم والذكاء والصحة فيستخدمها في طاعة الله بدلاً من المعصية، وفيما ينفع إخوانه المسلمين بدلاً مما يؤذيهم ويضرهم وهو منحرف لأنه لم يعمل بقول الله تعالى {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:33] ولا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم «أحب لأخيك ما تحب لنفسك».
فمهما كان وضعه لا يمكن أن يرضى أن يأتي شخص غريب فيعمل مع شقيقته أو أمه ما يفعله هو مع بنات الناس.
إنك -يا بنيتي- المسؤولة الأولى والأخيرة عن نفسك ومسئولة عن أسرتك، فبإمكانك أن تغلقي الباب دون أولئك الذئاب التي تخنق ولا تأكل، فتسلمي ويسلم دينك وشرفك، وتسلم أسرتك وسعادتها وشرفها، بإمكانك أن تكوني فتاة متعقلة ذكية حازمة، وبإمكانك أن ترتكبي المعصية والإثم وتسلكي الطريق الوعرة التي ستؤدي بك إلى المشكلات الكبيرة والمصائب الخطيرة التي ستجعلك تفكرين أو تقدمين كما فكر وأقدم غيرك تحت وطأة الفضائح والمشكلات الشديدة من الفتيات الجاهلات الغبيات المنجرفات على الإنتحار وقتل النفس التي قال الله سبحانه بشأنها {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا*وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا} [النساء:29-30] وينطبق عليه قول الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:93]، وروى الترمذي عن جابر بن سمرة أن رجلاً قتل نفسه فلم يصل عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وروى ابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من شرب سماً فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالداً فيها أبداً» وقال عليه الصلاة والسلام «الذي يطعن نفسه إنما يطعنها في النار، والذي يتقحم فيها يتقحم في النار والذي يخنق نفسه يخنقها في النار». وروي أيضاً عن أبى هريرة قال رسول الله صلى الله عليه «من تحسا سماً فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ومن قتل نفسه بحديده فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها ابداً، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً».
إنك -يا بنيتي- إن إستجبت لتلك الذئاب البشرية فإنك بالإضافة إلى تلك المغامرات المجنونة البشعة فإنك تمارسين كبيرة من أشد الكبائر، تلك هي عقوق الوالدين، حيث تضعينهما في أزمة حقيقية طاحنة تقلقها أشد القلق، وتشعرهما بالفشل الذريع في تربيتك وتنشئتك، وتخيفهما أشد الخوف على سمعتهما وشرفهما، ذلك الذي كان يدفع العرب في الجاهلية إلى ممارسة عادة وأد البنات خشية العار، قد يدعو عليك الوالد أو الوالدة بدعوة في لحظة تأزم وشدة فربما شقيت بها مدى الحياة، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم «ثلاثة لا ترد دعوتهم» وذكر منها دعوة الوالد على ولده فحذار حذار يا بنيتي!
الكاتب: د. حمدان بن محمد الحمدان.
المصدر: موقع منارات.